خديجة إلى رحمة الله :
ولم يندمل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفاة أبي طالب حتى توفيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وذلك في رمضان من نفس السنة العاشرة بعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثلاثة أيام فقط ، وكانت وزير صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، آزرته على إبلاغ الرسالة ، وآسته بنفسها ومالها ، وقاسمته الأذى والهموم . قال صلى الله عليه وسلم : ( آمنت بي حين كفر الناس ، وصدقتني حين كذبني الناس ، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها وحرم ولد غيرها ) .
وورد في فضائلها أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! هذه خديجة قد أتت ، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرء عليها السلام من ربها ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها دائماً ، ويترحم عليها ، وتأخذ به الرأفة والرقة لها كلما ذكرها ، وكان يذبح الشاة فيبعث في أصدقائها ، لها مناقب جمة وفضائل كثيرة .
تراكم الأحزان :
واشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه بعد موت عمه أبي طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها فقد تجرءوا عليه ، وكاشفوه بالأذى ، وطفق النبي صلى الله عليه وسلم يتأثر بشدة بكل ما يحدث ، ولو كان أصغر وأهون مما سبق ، حتى إن سفيهاً من سفهاء قريش نثر التراب على رأسه ، فجعلت أحدى بناته تغسله وتبكي ، وهو يقول لها : لا تبكي يا بنية ! فإن الله مانع أباك ، ويقول بين ذلك : ما نالت قريش مني شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب .
زواجه صلى الله عليه وسلم بسودة ثم بعائشة رضي الله عنهما :
وفي شوال –بعد الشهر الذي توفيت فيه خديجة – تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بسودة بنت زمعة رضي الله عنها وكانت تحت ابن عمها : السكران بن عمرو رضي الله عنه ، وكانا من السابقين الأولين إلى الإسلام ، وقد هاجرا إلى الحبشة ثم رجعا إلى مكة ، فتوفي بها السكران بن عمرو ، فلما حلت تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أعوام وهبت نوبتها لعائشة . أما زواجه بعائشة رضي الله عنها فكان أيضاً في شهر شوال ولكن بعد سودة بسنة ، تزوجها بمكة وهي بنت ست سنين ، ودخل بها في المدينة في شهر شوال في السنة الأولى من الهجرة وهي بنت تسع سنين ، وكانت أحب أزواجه صلى الله عليه وسلم وأفقه نساء الأمة ، لها مناقب جمة وفضائل وافرة .